التاريخ


ما قبل العصر الحديدي

أقدم الآثار البشرية في دولة الإمارات تعود لحوالي 7000 سنة قبل  في جزيرة دلما المقابلة لساحل الإمارات وجدت آثار أقدم مستوطنة بشرية مستقرّة في منطقة غرب الخليج.[9] هناك أيضًا عدد من المواقع الأثرية والتراثية في الإمارات التي ترقى للعصر الحجري فما بعده، تتنوع بين آثار قرى بشرية، ومدافن لاسيّما في المنطقة الساحلية للبلاد؛[10][11] العدد الأوفر من اللقى القديمة يعود لمرحلة للعصر البرونزي، ورغم عدم وجود معلومات وافرة عن الحضارات البشرية المتعاقبة خلال تلك الفترة، فإنّه من الممكن تقسيمها إلى ثلاث حلقات، الأولى بين 3200 - 2700 قبل الميلاد، حيث وجدت بقايا سيوف ورقائق وصفاح معدنية وأنصال ومدافن جماعية في مناطق جبل حفيت وجبل الأملح؛[12] أما الحلقة اثانية بين 2700 - 2000 قبل الميلاد، فتتركز الاكتشافات فيها في جزيرة أم النار، التي تشير إلى حضارة مزدهرة عملت بالتجارة واتصلت بالحضارات والبلاد المجاورة حتى العراق والهند، واكتشفت أواني فخارية ملونة ذات منشأ هندي في تلك البقاع، وللفترة الممتدة بين 2500 - 2000 قبل الميلاد وجدت العديد من بقايا القلاع في تل أبرق وكلبا.[12][13][14] تتراجع وفرة المعلومات التاريخية للحلقة الثالثة من مرحلة العنصر البرونزي أي بعد اندثار حضارة أم النار، رغم العثور على آثار حضارية في منطقة شمل الواقعة حاليًا في إمارة رأس الخيمة.[12]

التاريخ القديم

مع العصر الحديدي تتنوع الآثار التي تعكس النشاط البشري في الإمارات، ومنها أطلال قلعة مربعة الشكل ترقى للقرن الثالث قبل الميلاد، كما ومن الفترة نفسها وجدت آثار على قيام السكان بسك العملة محليًا؛[13] وخلال الألف الأول قبل الميلاد أقام الفينيقيون محطات تجارية في البلاد، تظهر آثارها في الفجيرة وخور فكان على وجه الخصوص، جنبًا إلى جنب مع مناطق أخرى مجاورة كما في البحرين وجزيرة تاروت السعوديّة التي من المحتمل أن تكون قد اشتقت اسمها من أحد الآلهة الفينيقية.[15][16][17][18]

ومع نشوء الإمبراطورية الإخيمينية اعتبرت مناطق من الساحل الغربي للخليج جزءًا منها، ورغم أن الإسكندر المقدوني قد قضى على الإمراطورية الإخيمينية إلا أنه أجّل مشاريعه لدخول الجزيرة العربية حتى عودته من الهند وهو ما لم يتم له، وتشير الأدبيات الباقية من تلك الفترة حول الحديث عن "السائل الأسود اللزج التي يستخدم في الإضاءة" دلالة على وجود النفط.[19] ومع اضمحلال الإمبراطورية المقدونية وقسمتها، غدت سواحل البلاد جزءًا من الإمبراطورية الساسانية، والتي استمرت حتى ظهور الإسلام، ازدهرت بها على شكل خاص الطريق التجاري المائي الرابط بين العراق والهند عبر الخليج العربي.[20][21]

دخل في الإسلام قبائل منطقة الإمارات منذ عهد النبي محمد، وكان قد أوفد عمرو بن العاص وأبو العلاء الحضرمي لنشر الدعوة في مناطق شرق الجزيرة بدءًا من عُمان وصحار وحتى البحرين. بعد وفاة النبي، ارتدت بعض القبائل في منطقة عمان وما جاورها، واستطاع جيش الخليفة أبو بكر الصديق بقيادة عكرمة بن أبي جهل وحذيفة بن محصن البارقي وعرفجة بن هرثمة البارقي من سحق المرتدين بقيادة لقيط بن مالك في معركة اندلعت بالقرب من مدينة دبا في إمارة الفجيرة حاليًا.[22] خلال عهد الخلافة الأموية، ازدهر ساحل الإمارات بوصفه طريقًا مائيًا للملاحة والتجارة البحرية، ونشطت صناعة السفن، وعثر في حي جميرا ضمن دبي الحالية على بقايا مدينة أموية كانت عقدة للطرق التجارية المتجهة نحو الهند وسواحل جنوب إيران وسواحل أفريقيا الشرقية، وكان لجلفار الواقعة على ساحل الإمارات شمال مدينة رأس الخيمة دورًا مماثلاً؛ وقد عثر في جلفار على بيوت سكنية وأربعة مساجد ترقى للقرن العاشر الميلادي، الرابع الهجري هي أقدم آثار العمارة الإسلامية في ساحل الإمارات.[23][24] بكل الأحوال، فإنّ تفكك الدولة العباسية وضعفها، وبُعد ساحل الإمارات عن العاصمة، قد أفضى لظهور نوع من الاستقلال الذاتي في إدارة الشؤون الداخلية للسكان، والتي استمرت متمركزة حول القبيلة؛ وتعتبر الفترة اللاحقة لسقوط الدولة العباسية في بغداد فترة مظلمة في تاريخ الإمارات، إذ لم يترك المماليك ومن ثم العثمانيون آثارًا ظاهرة على الساحل الشرقي للجزيرة العربية.

القرون الوسطى

كان لاكتشاف رأس الرجاء الصالح، أثرًا سلبيًا على طرق التجارة العالمية مع الشرق الأقصى والهند،[25] فعلى سبيل المثال فإن مدينتي جلفار وخور فكان على الساحل الشرقي لعُمان، أصبحتا مدينتين مهجورتين؛ إذ فقدتا مكانتهما، بعد أن كانا ميناءً بحريًا هامًا وأخذت التقاليد التجارية العربية بالانقراض في المنطقة تدريجيًا،[26][27] وقد نشأت في الفترة نفسها مراكز بشرية تجارية على ساحل عمان أقامها البرتغاليون،[28] وكذلك قلاع وحصون لضمان السيطرة على ساحل بحر العرب، والتي تطورت لمعارك عسكرية، فعلى سبيل المثال دمرت خور فكان عام 1506 على يد ألفونسو دي ألبوكيرك.[29]

بعد نحو قرنين من شبه السيطرة البرتغالية على المنطقة، توحد شرق الخليج تحت قيادة ناصر بن مرشد مؤسس دولة اليعاربة التي شملت عمان والإمارات وأجزاء كبيرة من شرق أفريقيا وعاصمتها الرستاق، والتي تمكنت من إخراج البرتغاليين من المنطقة وإضعاف نفوذهم فيها، وساهم ذلك في صعود المملكة المتحدة وهولندا الذين أجهزوا الوجود البرتغالي وانفردوا بالسيطرة على المنطقة في معركة بحرية حاسمة عام 1625 بالقرب من بندر عباس.[30] في القرن التاسع عشر، عام 1803 وحسب رسالة تعود لوالي بغداد العثماني أوفدها إلى الصدر الأعظم في إسطنبول، أنّ "قبائل بني ياس - أي نواة سكان الإمارات - انضمت للسعوديين، وكذلك قبائل النعيم وبني قتب والقواسم[31] وهو ما يفيد ببسط الدولة السعودية الأولى نفوذها على المنطقة. وبعد قيام الدولة السعودية الثانية كفلت اتفاقية البريمي عام 1853 بين الأمير عبد الله بن فيصل نائباً عن والده الأمير فيصل بن تركي وهلال بن سعيد البوسعيدي نيابةً عن ثويني بن سعيد البوسعيدي، وكان من الشهود على الاتفاقية الشيخ سعيد بن طحنون آل نهيان.[31] بعد القضاء على الدولة السعودية الثانية عام 1891، انتقل الصراع بين الشيخ زايد بن خليفة آل نهيان وقائمام قطر الذي يعتبر ممثل للعثمانيين، وتزايد النفوذ البريطاني في منطقة شرق شبه الجزيرة العربية الذي أدى إلى توقيع اتفاقية حماية بين بريطانيا وكل من شيوخ الساحل والشيخ قاسم آل ثاني - حاكم قطر.[31]

 

بنو ياس والقواسم

 

مع انحلال دولة اليعاربة وانكفاء البرتغاليين، صعد نجم سكان المنطقة في الإدارة، وأهمها حلف من قبائل بني غافر بزعامة القواسمومركزهم في رأس الخيمة والشارقة، ثم انتشروا نحو مناطق واسعة من شرق الخليج العربي بساحليه الشمالي التابع حاليًا لإيران والجنوبي، وتميزوا بوصفهم قوّة بحرية.[32][33][34] والقوة الثانية هم بنو ياس وحلفائهم من القبائل ضمن الحلف الهناوي،[35] وقد أطلق على هذا الحلف اسم "تحالف بني ياس"، وتزعمه آل بوفلاح التي ينحدر منها آل نهيان حكام إمارة أبوظبي، وآل بوفلاسة والتي ينحدر منها آل مكتوم حكام إمارة دبي.[35][36][37] في تلك المرحلة لم تتجاوز أعداد سكان المنطقة 72,000 نسمة، وكانت المنطقة تُعرف حتى الخمسينات من القرن العشرين باسم إمارات ساحل عمان؛ أما الإنجليز فكانوا يسمونها «ساحل القراصنة» حتى أبرمت اتفاقية السلام الدائم عام 1853. كان السكان يقطنون في قرى صغيرة متناثرة على ساحل رأس الخيمة والشارقة ودبي وأبوظبي، وبنوا حصونًا لحماية أنفسهم في مناطق التجمع السكاني الرئيسية، أما عماد الاقتصاد فكان صيد السمك واللؤلوء؛ وقد اعتبرت المملكة المتحدة المنطقة جزءًا من إمبراطوريتها التجارية، وهو ما ساهم في اندلاع عدد من المعارك البحرية بين الأسطول البريطاني وأسطول القواسم المكون من 60 سفينة،[38] بكل الأحوال فقد انتهت العلاقة المتوترة مع بريطانيا بالتوقيع على اتفاقية السلام الدائم عام 1853 لتحقيق السلام البحري وفض النزاعات القبلية واستقلال القبائل في إدارة شؤونها الداخلية، وقد عدلت الهدنة عام 1892 التي منحت بريطانيا شؤون الدفاع والعلاقات الخارجية، مع احترام سيادة مشايخ الإمارات المتصالحة أو إمارات الساحل المتصالح،[39] وقد استمر العمل بهذه الاتفاقية حتى 1971، وقد ساعد الاستقرار بعد توقيع اتفاقية التحالف والصداقة مع بريطانيا على تشكّل الإمارات السبعة بالشكل المعروفة عليه اليوم.

عانت البلاد خلال مرحلة 1920 - 1930 من كساد تجاري لاسيّما مع تراجع أهمية اللؤلؤ وبروز اللؤلؤ الصناعي فضلاً عن الضرائب الباهظة التي فرضت عليه في دول التسويق. في عام 1952 اندلع ما يعرف بحرب البريمي، وهي خلاف حدودي بين إمارة أبو ظبي وعمان والمملكة السعودية، قاد الحركة الشيخ صقر بن سلطان آل حمود النعيمي حاكم البرمي آنذاك متحالفًا مع عدة قبائل؛ إلا أن حداثة أسلحة الإنجليز مكنتهم من السيطرة على المنطقة وذلك في أكتوبر 1955، وإنهاء الحرب بترسيم الحدود بين الدول الثلاث.[40] في عام 1962 اكتشف النفط في إمارة أبوظبي وصدرت أول شحنة من النفط الخام في العام نفسه، وغدت إمارة دبي تصدر النفط عام 1969.

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق